أو ..
على سرج وثير
رديني إلى مَهْجَعٍ
أرى منه النجوم ..
إلى مرقد المنجل
تحت دثار من سنابلَ ..
أسكبُ الماء
على شحم الأيادي ..
مقايضاً
رغوة الصابون برحمة الوالدين ،
ومغدقاً زادي من الريبة
على كل وجه واثق ..
موقوت دمعي الخصب
برعشة مزمار
يتوضأ القلب
في لعابه الهادر ..
ليس بيدي
خرق المواعيد
التي تاجرت بوقتي ،
وليس بقدمي
سوى دروب
تحاشت وحل المسالخ
ومضت في السفوح
تترصد ساكنة الوادي البعيد ..
أمحو تجاعيد اليد
بكيروسين الموقد
سارداًعلى ضوء اليراعة
حنكةَ الظل
يرسم على الرواق كائنات لا تحد ..
ممشوقاً كمسواط رغوة
ولجتُ شوارع لا تفهم شعري ..
أحيك من صوف الخرافة
نور فتارينها ..
نورس يمتص روحي العزباء هناك ،
ومقالع حجر
يغفو على خشب النوافذ غبارها ..
مدينة تربت معي في القماط
أدخر في صندوقها عكازي
هائماً في شوارعها النحيلة
أجر الخطى
إلى كل جدار وردي
فترد بوحي أزقتها اللاطمة ..
من هنا
مر شاعرها الكاشف
حادي الوهم
إلى برتقال الوعود ..
ثَمِلٌ .. يلمع في نظارته
بريق وطن ،
وفي خطاه المائجة
قوافٍ تترنح في بحر يضيق ..
على برد المساطب
ألقَى حزمة الحطب
وغنى عيدها دون كعك ..
في كل مأتم له سؤال ،
ومن كل منور له دخان . .
عاث في رَوْعِ المدينة
خراباً حالماً
وزمجر برحاه
حيث الهمس مائدة الخائفين
ما طاق ليله دون خمر
ولا طاق السكوت !
من هنا مرت شعائر الجسد
المولع بالبخور ..
عين سوداء
تثقب عتمة اللحاف الأبيض !!
يتهادى
فوق الكاحل المترع
كرذاذ من النسيان ..
ونقر الكعب النحيل
يتلو على مسمع البلاط
آياته الخرساء ..
أو
هنا كان جرده الأبرص
مشتعلاً بالدفوف
يحصي بنات المدارس
على عقيق المسبحة
ذارفاً خوفه من عطن الفاكهة
تحت الجلابيب ..
آه .. يا صمت النحاس
كيف تتلمذ البارود على رائحة الياسمين ؟
وكيف اندثر الجسر القديم ؟
كيف تخثر السحلب
على الطاولة الفارغة ؟!
كيف تشرد الصيف في صمغ الرطوبة
باحثاً عن مقهاه الضليل ؟
كيف تقشرت حوافر الحصان
ومات في عربته الصهيل ؟
كيف استدار الزمان
وجار حبق الظل
على قامة النخيل ؟!
ليل المعادن كاسر كالريح
ريح المنارة
هامدة دون صفير ..
احمني من ضلالي فيك
يا قوت الذاكرة ،
يا أندلس المنفية فينا
آثمة في لوثة العِرْقِ
في لفتة الغريب
لا نثير الأضرحة يشفع لك ،
ولا الجهنمية
المطلة على الجار بالزهور ..
تائه غربالك في وبر الطحين ،
وحيض الوادي
نازف في البحر ورد السرير !!
يبكي السهارى شبابك ..
وما تبقى في الكؤوس
ذاهب في سواقي التجاعيد ..
على مهلك قليلاً
أعيد ترتيبك
كم كانت الأسماءُ عاتيةً
حين أحاق بك الغبار !
الأكواب تموج على السفرة
والطناجر قبعة الرؤوس ..
السور مُرٌّ على جلدك
تثقبينه بالسكر والرغيف ..
نام القرهمانلي تحت عرائشك
وسيفه في البحر صنارة لا تهتز ..
عَبَرَ الطغاة كرسيك الهزاز
وما رمش فيك كحل ..
آخر طلقة في المشط
وأمضي بجراحي في ظلام السوق ..
ليس يكفيني منك رقصة على خشب السدة ،
وليس يكفيك هذا النشيج ..
أنا النازل إليك من صفعة بعيدة
تعلمت فيك صخب الروائح
واقتسام المعابد لقلبك الفسيح ..
أنا النازل دون درع
أشم عطر السواني الموحلات ،
وأملأ من زفيرك صدري ..
فأحمني من هذا الصمت ،
ومن غبش العين في معانيك !
ليس بعد مأتم الزمن الجميل ،
وكلَّ ربيع يرشح العشب فيك من الصدوع ..
مبتلة كعهدك بالحبر
فأنصتي لخُطَى قلمي في وريدك ،
ولسرد الحجر في حيطانك القديمة ..
نقلي هواك حيث شئت ،
وانتعشي بشوق الكهول إلى طفولتك ..
أو
فألوي يد الزمن العذب ،
وقوديه إلى الغد موفور الرحيق ..
حُوتٌ على الأبواب ،
وحوت بالحناء على كف الجامحة فيك
حوت على كل نهد ،
وعلى الوسائد حوت
أقول
وثقوب القصب غائرة في الروح :
كيف جَمّعْتِ كلَّ هذي الدماء
دون أن تنكسري ؟
أقول ..
يا من تقوست فيك ظهور العابرين
يا من بنيت على كل رصيف
ماء السبيل ،
أقول يا من .. وأقول ياما
أقول :
بَرَدَ الحَساءُ في انتظار الطارق
ومالت الشمس
خلف منقارك العالي ..
فاقتربي من الآنية
ليس لك هذا الظمأ المزدهر ،
وليست لك السكاكين
اللامعة في خاصرات اليأس ..
ليست لك الفخاخ ،
وحلبات القبائل ..
ليس لك
سوى ما اخترعناه فيك ؛
منابت الطيش
جيرة الشرفات
قطارة الزهر
خمر التين
معزوفة الراعي
عطش النعناع
ومهطل الدراويش
في كترك الحميم ..
يا قبلة كل جائع
في زمن شُحِّ الرماد
أعطني فسحة
لأحلم فيك ..
أو
رديني إلى مهجع
أرى منه النجوم . ....
سالم العوكلي .. أكتوبر 2006